يارا فارس…قصّة من تحت ركام الجميزة وفيديو يوثّق مشاهد الدمار
لن ينسى أحد انفجار بيروت سواء مرّ شهر أو سنة أو عقود من الزمن، فالانفجار الذي صُنِّف من بين أكبر الانفجارات في العالم لا تقتصر آثاره على الدمار الهائل الذي خلّفه في العاصمة اللبنانية فحسب، بل تتخطّاه لتطال شعباً بكامله، تحوّل مواطنوه يوم الرابع من آب الى ناجين وناجيات وأصحاب قضية توثّقها آلاف الصور الفتوغرافية ومئات الفيديوهات التي تبقى شاهدةً على يوم الدمار الكبير.
يارا فارس، الممثلة ومقدّمة البرامج اللبنانية هي واحدةٌ من هؤلاء. ففي لحظة الانفجار كانت تقف على شرفة منزلها الواقع في شارع باستور في الجمّيزة والمطلّ مباشرةً على مرفأ بيروت.
” المسافة بيننا وبين المرفأ تكاد تقلّ عن المئتي متر. كنّا نمضي يوماً عادياً الى أن سمعنا دوي الانفجار الأوّل فتدافعنا للخروج الى الشرفة لرؤية ما يحصل وما هي الا لحظات حتى دوّى انفجار هائل قذفنا جميعاً بقوّة دفع هائلة نحو سبعة أمتار داخل الشقة التي تهاوت فوق رؤوسنا. الغبار ملأ المكان كلّه في لحظات. السقف هوى وواجهات الزجاج كلها تطايرت. ظننا أننا متنا. قلت في نفسي هذه هي النهاية”، بهذه الكلمات تستعيد يارا اللحظات الأولى لفاجعة بيروت.
وتضيف: ” من يرى المبنى الذي نقطنه لا يصدّق أن من كانوا بداخله بقوا أحياء. الأضرار هائلة ولم يبقَ حجر على حجر. لا أعرف كيف خرجنا سالمين. اقتصر الأمر على جروح وكسور وبضع قطب ولكننا بقينا أحياء وهذه أعجوبة بحدّ ذاتها”.
في ذلك اليوم كانت يارا برفقة زوجها الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي والشريك المؤسس لصفحات Live Love Beirut إيدي بيطار وبضع أفراد من عائلتيهما، وتروي أن حماتها التي كانت تصعد سلّم المبنى في حينها قذفها الانفجار بقوّة مما أدى الى كَسر ظهرها أما الآخرين فكانت جروحهم عميقة ولكن النجاة كُتبت للجميع.
وعلى الرغم من الاوجاع والصدمة والدماء تمكّنوا من النهوض من تحت ركام منزلهم المتهاوي والنزول الى الشارع و”هنا اتضّح هول الدمار”.
“أبنية بكاملها تحوّلت الى ركام هائل. الزجاج والحجارة والجرحى النازفون كانوا في كلّ مكان. كنت مصدومة وتائهة ولم أكن أفهم ما تراه عيناي. كنا نبحث عن بعضنا. ننادي أحدنا الآخر لنعرف من خرج ومن علق في الداخل. لم أكن أستوعب المشهد ووجدتني أحمل تلقائياً هاتفاً كان معي وأصوّر بالفيديو كلّ ما أره. أردت أن يرى العالم كلّه ما يحصل، فقد عرفت أن وصول الكاميرات أو حتى سيارات الاسعاف الى المكان سيكون صعباً وسيأتي متأخراً ولا أعرف الى اليوم كيف راودتني فكرة التصوير رغم الصدمة. أعتقد أنه بحكم عملي في التلفزيون، كانت هذه ردّة الفعل الطبيعية بالنسبة لي أو ربما أحسست أن نقل هذه الصورة الى العالم واجب، ربما لتوثيق الفاجعة أو ليسمع أحدهم صوتنا ويرى ما حلّ بنا”.
اتضح لاحقاً ان الفيديو الذي صوّرته يارا كان من بين الفيديوهات القليلة التي استطاعت أن توثّق اللحظات الأولى لما بعد انفجار المرفأ، ولكنها صوّرته بهاتف غير مزوّد بخَط بعدما فقدت هاتفها في الانفجار، وعمدت لاحقاً الى تحميل الفيديو ونشره عبر صفحاتها الرسمية على السوشال ميديا، ليبقى مادةً بصرية توثّق بالصوت والصورة حجم الكارثة التي لن تغيب عن ذاكرة اللبنانيين.
يارا التي تزوجّت منذ عامين من إيدي بيطار تقول ان المنزل الذي كانوا فيه هو منزل عائلة زوجها منذ أكثر من خمس وثلاثين عاماً ويعتبَر من المباني الأثرية في المنطقة إذ ان هندسته تعود الى عقود مضت.
” هو المكان الأكثر أماناً بالنسبة إلينا. المكان الذي يحمل ذكريات العائلة كلّها. لم يصمد منه الكثير في وجه عصف الانفجار الهائل ولكننا من المحظوظين لأننا نجونا. لا يمكنني حتى أن أفكّر بحجم الخسارة التي تكبّدها المئات ممن خسروا أهلهم وأطفالهم وكل ما يملكون”.
وتضيف دامعةً: ” ما زال مشهد الانفجار يتكرّر في رأسي. لا أستطيع ان أنسى مشاعر الرعب والصدمة. كنت أحسّ أنني في كابوس وأريد ان أصحو منه ولكنني ما زلت عالقةً فيه”.
ورغم ذلك تؤكّد الممثلة الشابّة انها باقية في البلد، وتقول: “هذه الفاجعة كانت بمثابة صفعة قويّة لي على الصعيد الشخصي. فها أنا أرى الكثيرين يغادرون. يتركون منازلهم وأحياءهم وذكرياتهم يحملون حقائبهم ويرحلون. ورغم أنني أعرف أن لهم كل الحق في ذلك إلا انني أشعر انه لا يمكنني أن أغادر. سأبقى وسأدافع عما تبقّى لي: عن منزلي عن مدينتي، عن بلدي، عن ذكرياتي… أشعر أنني بقيت حيّة لسببٍ ما. ربما هذه هي الغاية من نجاتي. علينا أن نبقى في أرضنا وأن نساهم في تغيير عقلية الناس أوّلاً ومن ثم عقليّة المسؤولين، علينا أن نكون العنصر الفاعل في ولادة التغيير الحقيقي، فأينما ذهبنا سنشعر أننا غرباء ولن ننسى. ومهما ابتعدنا سيتآكلنا الحنين. لا أجد مهرباً من هذا المصير”.
اليوم تنشط يارا الى جانب زوجها في العمل الميداني لإغاثة أهالي بيروت والمساعدة على إعادة اعمار منازلها، حيث تقول: ” قام زوجي برفقة أصدقائه وفريق عمله بتحرّك سريع للاستجابة لحاجات الناس ما بعد الكارثة وخصصوا مركزاً لتلقي طلبات المساعدة بالإضافة الى طلبات التطوّع والتبرّعات وهم يتعاونون مع مجموعة من المنظمات غير الحكومية وفريق من المهندسين المتطوّعين الذين يحاولون تقديم المساعدة قدر المستطاع لمعاونة الناس على إعادة بناء منازلهم في ظلّ غياب تام للدولة وقيام المبادرات الفردية للشباب اللبناني الذي عكس صورة الامل الحقيقية في هذا البلد وكان أوّل من بدر لرفع الركام عن الطرقات ومعاونة أهالي بيروت المتضررين وإقامة الخيم والمراكز الميدانية لتقديم كافة أنواع المساعدات العينية. وبيروت ستنهض من كبوتها لا محالة وذلك بهمّة ووعي شبابها وشابّاتها”.
رنا أسطيح